الغفلة من صفات بني آدم لا تنفك عنهم أهمية الذكرى


الغاية من سماع العلم
العبد المؤمن يحرص على أن يسمع من الحق ما به يطهر قلبه وتسمو نفسه، فكل مرة يتعلم فيها علم يجعل هذا العلم عاملاً في قلبه مطهراً له من آثامه، فيسمع المرء مثلاً عن حكم سوء الظن فيتتبع هذا المرض في قلبه فيدفع أسبابه ويمنعها وكلما طرأ عليه سوء ظن دفعه وطهر قلبه منه، يسمع المرء عن النميمة وكيف أنها صفة ذميمة فيطهر قلبه من إرادة الإفساد بين الخلق ويطهر لسانه من الكلام الكذب والافتراء،

 

ويسمع عن الغيبة فيخاف على نفسه من أن يقع في أعراض إخوانه ويلجم نفسه كلما مرت على لسانه، إذن معنى ذلك أن غاية سماع العلم هذان الأمران: أولهما التزكية، وثانيهما: التذكرة، فيكون الإنسان قد سمع الحق لكن نسيه، وهذه الغفلة من صفات بني آدم، صفة ابتليوا بها لا تزول عنهم أبداً، يبقون يسمعون الحق وتمر عليهم لحظات الغفلة والنسيان حتى مع رسوخ الإيمان، فالإنسان يسمع الحق يزكي نفسه ويبذل جهده ويطهرها ويملئها بالفضائل الشرائع ومكارم الأخلاق ويسير على الطريق المستقيم وتتحول هذه الفضائل إلى سجية،

يتصرف بها ويعمل بها لكنه يحتاج إلى التذكير، فإنه قد ينسى لماذا يعمل هذه الأعمال أو أحياناً يحصل له من نسيان نفس فضائل الأعمال ما يحصل نتيجة بعد الأحوال المقتضية لها، فمثلاً هو قليل الخلطة بالخلق عنده ما يشغله وكان كلما اختلط بالخلق أحسن إليهم وتأدب ثم انقطع زمناً طويلاً عن الخلطة وعاد يحتاج أن يتذكر من أجل أن يتخلق بالأخلاق الحسنة التي أرشد إليها الشرع، إذن السورة تقول أن المؤمنون يسمعون العلم من أجل أن يزكوا أنفسهم ويتذكروا ما نسيوه من العلم،

 وعلى من يدعو إلى الله أن يكون مقصوده في تعليم الخلق أن يزكو أنفسهم ويتذكروا الخير الذي يعرفونه، يزكو أنفسهم يعني يعينهم على أن يطهروا أنفسهم، ويذكرهم بما نسوا من الأعمال الصالحة أو من الاعتقادات الصائبة، والقرآن ما هو إلا ذكر للعالمين، نزل من أجل أن ينتفع الخلق ويتذكرون به الحقائق، ويتذكرون به لقاء الله، وما بعد الموت، ويتذكرون به العرض، ويتذكرون به سكرة الموت ولقاء الملائكة، فهكذا ينفع الإنسان العلم، ينفعه التزكي وتنفعه الذكرى،

 

 وهنا أتى العتاب: وما يدريك لعله يزكى يعني يتطهر عن الأخلاق الرذيلة، ويتصف بالأخلاق الجميلة؟

{أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} أي: يتذكر ما ينفعه، فيعمل (1) بتلك الذكرى. تبين لنا أن هذا مقصود العلم ومقصود مجالس العلم ومقصود الإزدياد في طلب العلم

 قال الشيخ: وهذه فائدة كبيرة، هي المقصودة من بعثة الرسل، ووعظ الوعاظ، وتذكير المذكرين، فإقبالك على من جاء بنفسه مفتقرا لذلك منك (2) ، هو الأليق الواجب، وأما تصديك وتعرضك للغني المستغني الذي لا يسأل ولا يستفتي لعدم رغبته في الخير، مع تركك من هو أهم منه، فإنه لا ينبغي لك، فإنه ليس عليك أن لا يزكى، فلو لم يتزك، فلست بمحاسب على ما عمله من الشر.

 

يعني أولاً الفائدة الكبيرة أن المقصود من بعثة الرسل  ووعظ الوعاظ، وتذكير المذكرين، أن يزكو بما يسمعه و يتذكر ما ينفعه، وهذه قاعدة تربوية فإننا نعلم أبنائنا ونعلم من نعلم الحق من أجل أن يستعملوا هذا الحق الذي نعلمهم إياه يستعملوه في تطهير قلوبهم، في تزكية نفوسهم، في سمو إراداتهم في الطلب فيما عند الله وفي البعد عن سفاسف الأمور وهكذا،
ثم بعد زمن نلقاهم فنذكرهم بكلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم فتبقى الذكرى في أذهانهم لأن من صفة الإنسان أنه ينسى..ومن الخطأ في التربية أن نتوقع أن ما قلناه أمس يتذكر اليوم، ..فإن العبد يزداد في الثبات على الطريق المستقيم بكثرة الذكرى عليه

 

 وإن امتنع وإن اعترض خصوصاً هؤلاء الشباب في زهرة عمرهم يملون من الكلام لكن في نهاية الأمر لابد أن ينفعهم ما نقوله، إذن هذه فائدة عظيمة من بعثة الرسل، ووعظ الوعاظ، وتذكير المذكرين، فإذا كانت هذه الفائدة معناها الواجب أن تقبل على هؤلاء

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من أين تأتي

تَكَبَّرَ فأَهَانَهُ الله!

الصحة النفسية مطلب شرعي-3