وصف خلق المؤمن




{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ    }
كمافسرته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها  "كان خلقه القرآن"

صار امتثال القرآن أمراً ونهياً، فأصبح سجية للنبي وترك طبعه الجبلي، فمهما أمره الله فعل، ومهما نهاه الله ترك،

، إنما هذه الأخلاق تأتي كما هو متبين من الثلاثة أمور: من 

  • الإخلاص أن يكون لله، ومن 
  • محاولة ملاحظة الطباع الخاصة التي طبعنا عليها، ومن 
  • التمييز، أميز كل مرة ماذا أحتاج من خلق.
 
وصف صلى الله عليه وسلم المؤمن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ] المؤمنونَ هيِّنونَ ليِّنُونَ ، كالجملِ الأَنِفِ ، إِنَّ قِيدَ انقادَ ، وإذا أُنِيخَ على صخرةٍ استناخَ [

..المعنى أن المؤمن مادام أن لا منكرات حيثما قيد انقاد، لا يضارب إخوانه ولا يكثر عليهم الكلام ويمانعهم، بل إنه إذا انقاد لا يمتنع على قائدة، كالجمل الأنف المأنوف ..فلم يمتنع على قائده، وهذا الحقيقة من عجائب الأوصاف لأن المؤمن لا تجده يضارب على شأن الدنيا، لا تجده بهذه الحال، فالمؤمن وصفه ترك التكبر والتزام التواضع، وإذا جروه إلى شيء ليس فيه منكر حيثما شاؤوا انساق معهم مادام أن الأمر بعيد عن المنكرات وعن الأخطاء ..

فهو يطاوع وتجده يزداد مكانة عند ربه بذلك سهل  القياد، لا ينتصر لحظوظ نفسه ويعاند ويصر إنما  يتبع الحق حيثما قيد بالحق انقاد، هذا لو كان في الأمر حق، ..إن لم يكن الأمر فيه حقوق وكان المتصل بالحياة وبالأمور اليسيرة السهلة كان من الناس الذين لا يصروا على رأيهم، وهذا لا يعني أنه مغفل حيثما أرادوا منه أن ينجر ينجر ويستهويه أي تفكير لأ، المؤمن كَّيس فطن ومع ذلك سهل القياد، وقد جاء في الحديث:" لينوا في أيدي إخوانكم"، وكثيرا يكون مثل الليلة السابقة زحام في الحرم فيقول الإمام في صلاة العشاء لينوا في أيدي إخوانكم،

يعني لا تكونوا عسيري الطبع، لاتكونوا معاندين في كل ما تأمروا به، فلازلنا نقول المسألة تحتاج إلى توازن، حسن الانقياد للحق والمسارعة إلى ما يحب الله ويرضى هذا إن كان في شأن الدين، وأما إن كان في شأن الدنيا فهو لا يعاند ولا يضارب ولا يكثر من المجدالات مع إخوانه أطيب ما يكون.. يوافقهم،

وللنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك الحظ الأوفى، يقول: ...وإن عزم على أمر لا يستبد به دونهم حتى إن كان الشأن فيه عزيمة لشأن رآه ..لا يستبد به وهو القائد صلى الله عليه وسلم بل يشاورهم، ..وهذا يناسب جداً إن شاء الله لكلامنا حول التحزب وكيف أن أصحاب الأحزاب بعيدين عن هذه الصفات

قال: وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتم عشرة وأحسنها،فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره،
نحن نتصور هذا أنه لو ابتسمنا كثير وأقبلنا على الناس خصوصا جلسائنا أخذوا علينا وربما تعدوا، فلازلنا نكرر على نفسنا كما ورد في الحديث المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف إن قدته انقاد وإن أنخته ناخ، ..فلا يطوي بِشره فيبخل به

يقول: .ولا يمسك عليه فلتات لسانه.. وهذا يحدث بين الجلساء..، نحن نتعامل بصفاء لكن لما تأتي كلمات وتزعجنا نكررها على قائلها نوع من أنواع المزاح أحيانا لكن هذا والله أعلم ليس من الخلق الكريم فإن فلتة اللسان تُطوى ولا تبقى

ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة فإن طول العشرة وتبدل المواقف يسبب أحيانا جفوة ، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم...وهذا أيضاً يحصل بين الجلساء فإن طول العشرة وتبدل المواقف يسبب أحياناً جفوة،

وهذا الكلام من الشيخ السعدي لخص فيه منهج لمعاملة الخلق يحتاج إلى شيء كثير من التفصيل والاستدلال فإن كل جملة ورائها من المواقف والاستدلالات من حياة النبي ما يساعدنا على سمو أخلاقنا ومعرفة الحق ولو في أعلى السلم..نسير ولو ببطء نرتفع نرتفع بأخلاقنا إلى أن نقترب فنكون مع نبينا صلى الله عليه وسلم فإن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
[ إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا ، وإنَّ مِن أبغضَكِم إليَّ وأبعدَكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفيهِقونَ ، قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، قد علِمنا الثَّرثارينَ والمتشدِّقينَ فما المتفيهِقونَ ؟ قالَ : المتَكَبِّرونَ]
 
::::::::::
قال الله تعالى:
 وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ*هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ*مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ*عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ*أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ*إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
"وحاصل هذا، أن الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب، خسيس النفس، سيئ الأخلاق، خصوصًا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس، والتكبر على الحق وعلى الخلق، والاحتقار للناس، كالغيبة والنميمة، والطعن فيهم، وكثرة المعاصي".: السعدي 
وهذه كلها التي ستأتينا من صفات لهم دائرة حول أمر واحد: الكبر، المتكبر دائماً يعيب غيره ليبقى هو مميز، تجده يهمز فيعيب الخلق، مشاء بنميم يمشي بين الناس بالنميمة وهي نقل كلام بعض الناس لبعض بقصد الإفساد بينهم وإلقاء العداوة والبغضاء، يعني من خساسة نفسه ولكي يبقى هو في حال مرضية عن نفسه 
تجده هماز يعني كثير الهمز، والهمز كما هو معلوم الطعن بعود أو بيد، وهنا المقصود به الأذى الذي يأتي بالقول، ونجدها بصيغة مبالغة: هماز، تدل لعى قوة الصفة،
{مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} أي: يمشي بين الناس بالنميمة، وهي: نقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء.
مشاء بنميم، يعني صاحب نميمة والمشي هنا إستعارة أنه يبذل الجهد ويسعى لأجل النميمة، وهؤلاء القوم هم الذين يسعون في الأرض فسادا،  يمشون بالنميمة ..فترى نفوسهم ترتاح لما يحصل فساد والعياذ بالله، وفي الحديث في القوم الذي كانوا مقبولون ويعذبون قالوا وأما الأخر فكان يمشي بالنميمة، مناع للخير الذي يلزمه القيام به..
{عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ} أي: غليظ شرس الخلق قاس غير منقاد للحق {زَنِيمٍ} أي: دعي، ليس له أصل و [لا] مادة نتج منها الخير، بل أخلاقه أقبح الأخلاق، ولا يرجى منه فلاح، له زنمة أي: علامة في الشر، يعرف بها.
 

 
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ
ثم توعد تعالى من جرى منه ما وصف الله، بأن الله سيسمه على خرطومه (1) في العذاب، وليعذبه عذابًا ظاهرًا، يكون عليه سمة وعلامة، في أشق الأشياء عليه، وهو وجهه.

 والسبب أن الله أعطاه مال وبنون والذي خرج معه أنه قال إن هذا إلا أساطير الأولين فكأنه يقال ما جزاء أصحاب هذا الوصف في مقابل أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن لك لأجر غير ممنون، فكان الجواب: سنسمه، من الوسم فكل واحد فيه هذه الصفات الماضية سيكون هذا جزاؤه، سيسمهم كلهم على الخراطيم، والخرطوم هو الأنف، ومعنى ذلك أن الله عز وجل سيجعل لهم علامة على أنوفهم إهانة لهم وبياناً لأحوالهم،

 لما ذكر الخرطوم فيه جمع بين التشويه والإهانة، فإن الوسم على الوجه يقتضي أن يكون فيه إذلال وإهانة، لوما يكون على الأنف أشد ..، يعني الله متمكن منه غاية التمكن وغاية الغلبة وصاحب الأنف هذا عاجز، وغالب الناس يقولون :   شمخ بأنفه و يقال أشم الأنف، ولما يريدون يعبروا عن الذلة والإهانة يقولون كسر أنفه، أو جذع، أو نقول رغم أنفه، وهذا كله يدل على أنه سيكون في حال من الذل، وقد ذكر عن ابن عباس أن الوليد ابن المغيرة قد ختم أنفه بالسيف يوم بدر،

 فمعنى ذلك أنه وقع عليه ما أراد الله عز وجل فذهب ذاك الاستكبار بما كان من آثار تلك الغزوة..أظهرت قوة الله وقدرته فيهم وهم الذين أتوا على حال من الإستكبار، أمام هذه الصفات التسعة يقول النبي صلى الله عليه
[ ألا أُخبِرُكُم بأَهلِ الجنَّةِ ؟ كُلُّ ضعيفٍ متَضَعِّفٍ ، لو أقسمَ على اللَّهِ لأبرَّهُ : ألا أخبِرُكم بأَهلِ النَّارِ ؟ كلُّ عُتلٍّ جَوَّاظٍ مستَكبرٍ]
الشاهد أن أهل الإيمان يصححون أخلاقهم، ويُبعدون عن سمعتهم كل ما يلحق بها من جفاء الأخلاق، لأن هذا الزنيم مشهور بالشر كشهرة الإبل ذات الزنمة (لحم زائدة في الأذن ) من بين أخواتها، فيكون العبد ممن يحرص على أن يكون له ثناء في السماء وثناء في الأرض بحسن خلقه،
وفي السورة تقابل بديع بين وصف (النبي) أنه على خلق عظيم وبين وصف (هذا) الذي قد جمع بين الشر كله وقد جُمع له الخير كله، إذ كان ذا مال وبنين كان المفروض أن عطاء الله يسبب له الإيمان وليس الكفر.

نسأل الله أن يحسن أخلاقنا ويجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا ..ونكون من أهله 
ومن يتصبر يصبره الله 
والحلم بالتحلم 
والعلم بالتعلم
نسأل الله بمنه وكرمه في هذه الأيام المباركات أن نكون ممن أخلصوا لربهم وأحسنوا خلقهم لأجله فزادهم وثبتهم وأعانهمورزقهم الحكمة إنه ولي ذلك والقادر عليه 

27 رمضان 1436
  لقاءات التفسير في رمضان
الأستاذة أناهيد السميري حفظها الله

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من أين تأتي

تَكَبَّرَ فأَهَانَهُ الله!

الصحة النفسية مطلب شرعي-3