وما عليك ألا يزكى


أمر الله موسى عليه السلام فقال: (اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل له هل لك إلى أن تزكى)، ..، إذن نحن مأمورين بخطاب الخلق أن يتزكوا ويتعلموا ويتطهروا،

لكن فرق بين الخطاب والحرص، تخاطب كل الخلق وتتركهم وشأنهم، سمعوا الحق قد بينته وهم سمعوه لكن أكثر من ذلك لا يلزمك!، ولذا قال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم:
{أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ*فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ}
فأنت له تصدى، يعني تتصدى له تصدياً قوياً، فكأن هنا أتى العتاب، هذا يظهر بوضوح لما ننظر للنازعات الله أمر موسى أن يذهب إلى فرعون ويقول له: هل لك إلى أن تزكى، معناها مطلوب منا عرض الحق على الخلق، كأن الممنوع أتى من جهتين: من جهة
 أن تهمل المقبلين
 وتتصدى للمستغنين، بعدما بينت له الحق تتصدى له تصدياً قوياً، وتتعرض له تعرضاً فيه شدة حرص

 والله يقول لنبيه: وما عليك ألا يزكى، ما عليك!، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخشى أن يكون مسؤوليته أن يتزكوا، فيقال له ليس محمولاً عليك بعدم تزكية، لست مؤاخذاً بعدم اهتداءه من أجل أن تحرص على إيمانهم، وهذا من أرفق ما يكون بالنبي وبالدعاة، ما المطلوب منك؟! ترشد الخلق للحق الذي يقبل عليك تقبل عليه، الذي يستغنى ما عليك ألا يزكى،
{وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ}

وأما من جاءك يسعى/ هذه تقابل أما من استغنى، والمقصود هنا طبعاً في القصة ابن أم مكتوم، ولاحظوا: جاءك يسعى، شأن مهم في كون أن الداعي يلتفت للساعين الباذلين الحريصين المقبلين، فلا يهملهم، المجتهدين يقدروا، والسعي كما هو معلوم شدة المشي، فكأن هؤلاء كانوا حريصين جداً على اللقاء في مقابلة استغناء هؤلاء المستغنين،
{وَهُوَ يَخْشَىٰ}

وهناك صفة أخرى في هذا : وهو يخشى، يعني جاء مجتهداً يسعى وحقيقته أنه طالباً للتزكية يخشى الله ويخاف من التقصير، وهذا يفهم تفاصيله وبيانه من جرب، فهناك من يأتيك يسعى ويكون حريص ومجتهد لكنه لا تجده يخشى!، وخصوصاً في أيامنا هذه لما أصبحت الدعوة إلى الدين نوع من أنواع الشهرة، وضرب من ضروب التفنن، وأمور كثيرة لا مجال لذكرها وتفصيلها فأتى هذا الضابط مما يريح الخاطر، فإن كثير تراهم يسعون لكنهم لا يخشون، وهذا الأمر أيضاً ليس من السهل تقديره وتميزه لكن الله المعين.

 { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ}

الله يقول له: ما أدراك لعله يتزكى تزكية عظيمة فنفسه وقت ذاك كانت متهيئة لهذه التزكية، وهذه الفائدة عظيمة جدا أن النفوس ليست في كل وقت متهيئة للاستفادة!،
وأيضاً من الأعذار التي ذكرت في الآيات للنبي: وما عليك ألا يزكى، فإن النبي كان يخشى فوات إيمان المشرك بسبب قطع المحاورة، فالله عز وجل أخبره أنه ليس شأنك أن لا يتزكى!، فإن الله عز وجل هو الذي يهدي عباده وما أنت إلا دليلاً لهم.

إن قال قائل لماذا لم يعلم  الله الرسول  قبل مجيء ابن أم مكتوم بهذا الأمر ولم يكن على النبي عتاب؟! نقول في هذا الموقف من المصالح الكثيرة منها
  • بيان بشرية النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها
  • أنه أمين على الوحي، فإنه قد نقل للأمة عتاب الرب له ومنها
  • أنه صلى الله عليه وسلم يجتهد اجتهاد يتفق معه كل الخلق، لأن أي أحد منا في هذا الموقف كان هذا الاجتهاد الذي سيجتهده، النبي يجتهد اجتهاد يتفق معه كل الخلق لكن الله عز وجل أعلم بالأصوب والأفضل،

  •  وفيها أيضاً من مصلحة رفعة المؤمنين على الكافرين ما فيها،
  • وفيها أيضاً أن الله عز وجل يرقي نبيه بمعالي الأخلاق، فإن العتاب كله في عبوسه للمؤمن بحضرة المشرك، يعني عاتبه الله بأنه عبس في وجهه بحضرة المشرك، فهذا علو مرتبة للنبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً لما نفكر في أن ابن أم مكتوم أعمى لا يرى هذا العبوس من النبي صلى الله عليه وسلم لكن لنعلم ونتأكد أن الأخلاق مصدرها الإخلاص، فإننا نعبد الله بتحسين الأخلاق،

 
نعبد الله بإظهار الحسن في التصرفات، ليس لأن الخلق يرونا بل لأن رب العالمين يرانا، فهذه مصالح من المصالح الكثيرة في هذا الموقف العظيم، فكانت الحادثة فرصة للتنويه لسمو منزلة المؤمن، لما في قلبه من رغبة في الخير ولما فيه من اجتهادٍ لمعرفة هذا الخير

 

يقول الشيخ السعدي: فدل هذا على القاعدة المشهورة، أنه: " لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة " وأنه ينبغي الإقبال على طالب العلم، المفتقر إليه، الحريص عليه أزيد من غيره.

فهذه فائدة عظيمة للمعلمين وهذه الفائدة عظيمة لنفس المتعلمين،

  •  أما المعلمين فيقال اعرض الحق على الكل وبينه لهم ولا تميل بقلبك تحرص على أحد أن يهتدي وهو لم يظهر العناية، إذا هو لم يظهر العناية لا تظهر أنت العناية، تأدب بأدب الله، لا تقول هذا شخص مهم في المجتمع هذا غني هذا له الصدراة لا تقول هذا، جائك يسعى أيا كان حاله تقبل عليه، والشرط واضح وهو يخشى،
ومن هو في مجال الدعوة يعرف..فهذا الضابط من أدق الضوابط لهذه الحال، هذا للمعلمين
  • وأما للطلاب والمتعلمين فإنه يقال لهم أظهروا من أنفسكم خيراً لربكم فأسعوا في العلم وأظهروا الخشية وأطلبوا العلم من أجل الله، وأكتبوا فإن الله يقبل من عباده الجهد وانظروا لأيديكم التي تكتب واسأل الله أن يحرمها على النار، وعيونكم التي تقرأ العلم ..فاسألوا الله أن يحرمها على النار، وأبدانكم التي تسعى للعلم واسألوا الله أن يحرمها على النار، فالسعي للعلم مع خشية الله مما يحبه الله ويرجى أن يكون ورائه الخير العظيم،


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من أين تأتي

تَكَبَّرَ فأَهَانَهُ الله!

الصحة النفسية مطلب شرعي-3